الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

خطأ آخر فى مجال الأعمال: إحذر من الأرباح

يعتقد الكثيرون أن الأرباح هى الرقم الأهم فى المعادلة، وبسبب هذا الإعتقاد تواجه العديد من الشركات الناشئة مشكلات قاسية لا قبل لهم بها، فعادة ما يقرر أحدهم البدء فى نشاط تجارى أو صناعى بمجرد القيام بعملية حسابية بسيطة بطرح قيمة التكلفة من سعر البيع ، وبتحقيق الربح الافتراضى يعتبر أن ذلك يكفى ، وربما لا يلتفت بالمرة إلى ماهو أكثر أهمية من الأرباح، و هو السيولة النقدية، فالشركات لاتشترى البضائع ولاتدفع المرتبات والإيجارات و لاتسدد مصروفات التشغيل بالربحية، ولكنها تدفعها نقداً. فبقدر أهمية الحسابات والقيود المحاسبية، بقدر ما قد تكون خادعة أحياناً، إذا كان تركيز الإدارة على متابعة أرقام الأرباح فقط، و هى أرقام رغم أهميتها، ولكنها غير كافية فى تقييم أداء الشركة. كثيراً ما خرجت شركات من السوق تماماً بسبب سوء إدارة النقدية وليس بسبب انخفاض الربحية. وإن لم يتمكن المدير من إدراك كيفية التعامل مع الأرقام الحسابية وفهم مدلولاتها بشكل صحيح، فقد تسير الشركة فى الاتجاه الخاطئ.  وهذا المثال سيوضح ما أرمى إليه:

افتتح عدة اصدقاء معرضا لبيع السيارات المستعملة و رصد الجميع رأس مال قدره 130 ألف جنيها مصريا للنشاط، و استأجروا معرضاً فى موقع متميز بإيجار مرتفع نسبياً لعرض السيارات الراقية، و بعد أن أنفق الشركاء 20 ألفا على التشطيبات وفى أثناء تشطيبهم للمحل عُرضت عليهم سيارة ممتازة و بسعر 100 ألف جنيها، و هو سعر يقل بحوالى 10 -15 الف عن سعر السوق، تم شراء السيارة و سداد قيمتها نقدا، و قام أحد الشركاء ببيع السيارة ب120 ألف جنيها بعد عدة أيام لأحدالعملاء على أن يقوم بسداد قيمتها بالتقسيط على 12 شهر بواقع 10 الاف جنيه كل شهر. فماذا كانت نتيجة ماحدث؟

السيولة المتبقية لديهم لن تمكنهم من شراء أى سيارات أخرى، و على الرغم من أنه من وجهة النظر المحاسبية، فقد ربح المعرض 20 ألف جنيها، ولكن من وجهة النظر النقدية (المالية) فقد "خسر" المعرض 90 ألف جنيهاً، هى قيمة الفرق بين ما تم دفعه وماتم تحصيله. و ضعت هذه المبادلة المعرض فى وضع سئ من ناحية السيولة. خاصة و إن المصروفات الشهرية و المتمثلة فى الإيجار، و مرتبات العاملين، و المصروفات الأخرى ستكون مرتفعة.

و عادة ما تقابل الشركات الجديدة صعوبات نقدية متعددة الاتجاهات، فهى تضطر بداية إلى الإنفاق على تجهيز الشركة والأصول الثابتة، وبذلك يخرج جزء من السيولة من التداول. و تقابل الشركة ضغوطاً من الموردين، بسداد كامل المشتريات نقداً و بنسب خصم ضعيفة لحداثة عهدها بالسوق، وتدنى شريحة الطلبيات، و تواجه أيضا ضغوطاً من العملاء الذين يحاولون الحصول على البضائع و السداد على فترات طويلة، تضمن لهم التأكد من البضائع الجديدة، و تؤكد حصولهم على خدمات ما بعد البيع من الشركة الوليدة. و يجب أن تفطن الإدارة إلى صعوبة ضغوط تلك الفترة، التى ستتحسن بالتدريج، باكتساب ثقة العملاء والموردين، و زيادة الخبرة و تخفيض التكلفة.

و التدفقات النقدية Cash Flow ببساطة تتكون ببساطة من شقين: هما الإيرادات النقدية التى تشكل التدفقات الواردةInflows ، والمصروفات النقدية التى تشكل المصروفات الصادرة  Outflows. و فى حالة زيادة الإيرادات فيكون الفرق فى صورة صافى نقدى Net Cash، و فى حالة زيادة المصروفات، فيكون الفرق فى صورة عجز نقدى Cash deficit.

و من أهم أساليب التحكم فى التدفقات النقدية أن يتم تخفيض تسهيلات السداد فى البيع للعملاء، و زيادة فترات السداد للموردين، حتى يتوفر فائض من السيولة يُسَهل نشاط وحركة الشركة.

من السجل الشخصى:
كانت شركتى تقوم باستيراد تقوم باستيراد عدة أجهزة لأطباء العيون يباع الجهاز بمايقرب من 30 ألف جنيه مصرى، وكانت الشركة تقدم تسهيلات فى السداد لعملائها، فيسدد العميل 6000 جنيها والباقى بواقع 2000 جنيه شهريا لمدة سنة، وقامت الشركة ببيع مايقرب من 20 جهاز فى أشهر قليلة، بأجمالى ربح 100 الف جنيه تقريبا، و لكن كانت هناك صعوبة كبيرة لحدوث عجز فى السيولة يزيد عن 400 الف جنيه ، خاصة وان الشركة كانت تقوم باستيراد الأجهزة نقداً. شكلت سياسة تسهيل السداد مشكلة فى التدفقات النقدية للشركة التى كانت تبيع عدة منتجات أخرى بنفس الطريقة. استغرق معرفة الخطأ وإصلاحه وقتاً طويلاً.

عذرا إن كان الشرح غامضا أو جافاً، ويسعدنى الرد على أى استفسار فى التعليقات  
الخلاصة : إحذر أن تصيبك نشوة الأرباح بالغفلة عن العجز النقدى

6 تعليقات:

غير معرف يقول...

مقال رائع جدا
فعلا هذا ما احيانا يواجهني في ادارة العمل الخاص بي لكن اعتقد ايضا انه في حالة انك بعت منتج باقساط يجب ان يضاف نسبة ارباح اضافية على قيمة المنتج لو بيع نقدا
هناك مشكلة ايضا هي التسهيلات من المورد نجد فيها صعوبة ما العمل لذلك

مشروع مدونة يقول...

شكرا لمرورك سيدى وتعليقك الكريم فى زمن ندر فيه التعليقات ..

لمشكلة أكبر من وضع أرباح إضافية بسبب التسهيل، دون الدخول فى مناقشة مدى شرعية ذلك،و لكن فى النهاية ما حدث أنك أضفت جزءا يسيرا للأرباح، ومازال عجز السيولة والتدفقات النقدية قائماً
الحل ياعزيزى فى إدراك المشكلة أولا، ثم عدم الاعتماد على التسهيلات بشكل كبير إلا إذا كانت لديك القدرة على مواجهة الأعباء المالية المترتبة على ذلك

أماما يختص بالموردين فعادة مايتطلب الحصول على تسهيلات بعض الوقت أو الضمانات، وحتى يحدث ذلك فمن الأفضل تخفيض المشتريات حتى لا تتحول السيولة إلى بضائع مما قد يقيد حركةالشركة

د.حسين يقول...

ماشاء الله تبارك الله يادكتور ...

حقيقة شرح واضح جدا ..

أوصلت لي الفكرة حقيقة رغم قراءتها في كتب محاسبية من قبل لكن لم أستوطع إستيعابها بمثل ماوضحتها بالأمثلة العملية بارك الله فيك ..

أعجبت حقيقة بمدونتك التي تعرفت عليها من خلال مدونة الاخ شبايك واطلعت على مواضيعها كاملة في جلسة واحدة من روعة وسلاسة اسلوبك ..

استمر يادكتور فنحن متابعين ..

مع العلم اني صيدلاني لكن تستهويني مواضيع العمال حيث اني احلم بإنشاء عملي الخاص وان شاء الله يكون ذلك قريباً

المواضيع المذكورة في المدونة تعني لي الكثير من القيمة العلمية التي كنت لحتاج إلى الكثير للوصول إليها ..

بارك الله فيك وزادك علما وعملاً

مشروع مدونة يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
مشروع مدونة يقول...

شكرا دحسين لمرورك وتعليقك المشجع الذى أتمنى أن أستحق بعض ما جاء فيه

تمنياتى لك بالتوفيق فى مشروعك الخاص، وأتمنى أن يفيدك ماجاء فى المدونة عن الأعمال والأخطاء الشائعة فى ممارستها، والتى يقع فيها العديدون عن غير قصد، و القائمة طويلة فحتى الآن قد احصيت مايزيد عن 20 خطأً، بعضها أخطاء تكلف الكثير من المال والوقت. أتمنى أن يتجنبها كل مستثمر جديد.

دمت بخير

غير معرف يقول...

طب مثل ايش اخطاء يقع فيها افتتاح المطعم

إرسال تعليق