استيقظ من نومه مذعوراً على أصوات أبواق سيارات الشرطة تخترق أذنيه .. يا ساتر ما هذا؟
صراخ و صياح تحت شباكه مباشرة، ورجل يتساءل بصوت مرتفع وبلهجة الرتب الأمنية: هو ده البيت؟ يجيبه أصوات عديدة أيوه يافندم ..أيوه .. هو ده
أبواب سيارات تغلق و أقدام تهرول وصياح غير مفهوم .. لابد أن جارهم الأستاذ/ عماد ذو المنصب الرفيع، والذى فاحت رائحة فساده، وفضحته الجرائد والفضائيات، قد حان اليوم سقوطه، فهذا زمن سقوط كل الكبار .. هكذا حدث نفسه .. وغلب النعاس الثقيل شعوره بالفضول لمعرفة مايحدث، فاستدار فى سريره وجذب غطاءه عله يمنع ضجيج الأصوات عن أذنيه .. جرس الباب .. رنة واحدة سريعة.. ماهذا؟ بالطبع ليست الشرطة فهم يكسرون الباب مباشرة، أو يطرقونه بعنف مثلما نشاهد فى الأفلام، ثم لا ينبغى أن يذهب بعيداً بأفكاره فلماذا تطارده الشرطة؟ وقد عاش مسالما مستكيناً لا يهين صغيرا ولا ينازع كبيرا .. استدار فى سريره .. لم تمهله زوجته كثيرا .. دخلت سريعا إلى غرفة النوم بلهفة ..
- حسن .. ياحسن
- خير!
- اصحى واحد عايزك برة
خفق قلبه بشدة: واحد؟ .. مين ده؟
ردت زوجته بصوت يقترب من الهمس : مش عارفة؟
خواطر كثيرة مرت به، كلها مفزعة، سألها مسرعاً: لابس إيه؟
- لابس بدلة سودا ونظارة سودا
- نظارة سودا؟
- أيوة بس خلعها لما دخل الأنتريه
- هو دخل الانترية؟
انتفض حسن من سريره واقفاً ونظر بغضب ودهشة إلى زوجته
- قلت له نايم، قالى صحيه لو سمحتى انا هستناه جوه بعد اذنك، الموضوع مهم، قلت له اتفضل .. لما تشوفه هتعذرنى
- أشوفه؟
قالها حسن ثم تلعثم وهمهم بأصوات غير مفهومة، وهو يخرج من الغرفة إلى الحمام دون أن ينظر ناحية الأنتريه، نظر إلى المرآة وقلبه ينتفض بين ضلوعه و حاول أن يهدئ صوت أنفاسه كى لا يسمعها الرجل ذو البدلة السوداء
خرج حسن فإذا بزوجته تنتظره أمام الباب مباشرة، ارتجف جسمه، صدرت عنه صيحة فزع مكتومة، أطلق يده فى الهواء وهو يتجه إلى الأنتريه، هو أنا ناقصك ياشيخة؟!! نظر حسن إلى البيجاما التى يرتديها، وحاول أن يخفى زراً مقطوعا فى الجاكت، ضم الفتحة التى يظهر منها قطنيته البيضاء الداخلية، وبطنه المترهل السمين، و تذكر أنه يطلب من زوجته تركيب الزر اللعين منذ شهور.
دخل حسن متثاقلا، لم يحاول إخفاء دهشته واستسلم للخوف البادى على وجهه، أهلا وسهلا، وقف الرجل الفارع الطول، لم يقترب حسن من الرجل، الذى وبابتسامة مصطنعة مد يده الكبيرة مبادراً يصافحه بقوة كادت أن تجعله يصرخ، وقال الرجل مشيراً إلى أحد المقاعد بلهجة آمرة اتفضل حضرتك، نظر حسن إليه، دهش من طريقة الرجل، وكأننى أنا الضيف وهو صاحب البيت، حسناً كل بيوت البلد بيوتهم .. لا بأس. نظر إليه حسن وانتظر لحظات كأنها الدهر، والرجل ينظر إليه بابتسامتة العريضة، حاول حسن أن يسأل الرجل عن سبب .. ، ولكن ذو البدلة السوداء الأنيقة بادره رافعا يده الكبيرة التى تحمل النظارة السوداء والتليفون المحمول الأسود معا:
- ألف مبروك
لم يفهم حسن ماذا يعنى الرجل ..
- الله يبارك فى سعادتك، على إيه؟
- سعادتك فزت فى الانتخابات
- انتخابات؟!!! انتحابات إيه حضرتك؟
- انتخابات الرئاسة سعادتك .. حضرتك بقيت رئيس الجمهورية ..!
قهقه حسن بصوت مرتفع ارتجف جسمه كله، و لم يدرك وقتها هل ارتجف من السعادة بأن الأمر كله لا يعدو مزحة ثقيلة، أم من الخوف من الرجل الضخم الذى لابد وأنه يخفى وراء ابتسامته البلهاء كارثة.
انت بتقول إيه؟ مين حضرتك؟ دى الكاميرا الخفية؟
لم يتمالك حسن نفسه وانتابته موجه القهقهة المتوتر مرة أخرى، وأخذ جسده يرتعش ضاحكا، أكيد دبروا المقلب مع زوجتى وربما وضعت الكاميرات خلسة أثناء غيابى، وقال حسن:
طيب يا سيدى الله يبارك فيك، حلوة .. ذيع ياعم
استمر حسن فى الضحك، وهو ينظر إلى الرجل الذى لم تفارق نفس الابتسامة وجهه، قاطعه الرجل بنبرة واثقة قائلا:
- أستاذ حسن، الموضوع مافيش فيه أى هزار
- يا سلام، قالها حسن ساخرا واستطرد : انتخابات إيه؟ أنا مارشحتش نفسى فى أى انتخابات
- مش مهم سعادتك ترشح نفسك، الشعب هو اللى اختارك وقال كلمته، وربنا أراد كده
اختفت الابتسامة من على وجه الرجل، كان يبدو جاداً هذه المرة:
الموكب تحت مستنى سعادتك عشان تحلف اليمين
- أحلف يمين إيه؟
قالها حسن وهو يتوجه إلى الشباك المطل على الشارع، ماهذا؟ عشرات السيارات الفخمة، ودراجات بخارية، يمتطيها رجال بالزى العسكرى وبغطاء رأس غريب أزرق اللون، يحيطون بسيارة مكشوفة كالتى كان يلوح منها جمال عبد الناصر للشعب، و قوات الأمن تغلق الشوارع المجاورة، نظر حسن إلى العمارات المجاورة، امتلأت الشبابيك والبلكونات بالوجوه المتلاصقة، أنهم جيرانه يعرف العديد منهم، ووجوه أخرى لايعرفها، أشار أحدهم إليه وهو يبتسم بعلامة النصر، التى لم يرها منذ مقتل ياسر عرفات. الجميع يعلمون بالأمر؟ ماذا يحدث؟ جال بخاطره سؤال: ربنا أراد كده؟ فاجأه الرجل يرد وكأنه عرف مايدور بينه وبين نفسه:
- أيوه ياريس طبعاً، إذا قال للشئ كن فيكون ..
- ريس؟ وربنا عايزنى أنا .. أبقى رئيس جمهورية؟ سبحانه.. !
شرد حسن .. هل هى إرادة الله ليغير ماببلدنا حقا؟ أنا .. حسن الجمل؟ حتى الإسم لا يشبه أسماء الرؤساء، أو الوزراء ولا حتى المحافظين .. أول قرار لى سيكون إلغاء .. قطع الرجل ذو البدلة السوداء خواطره عندما ارتفع صوته منفعلا:
- انت كده بتضيع وقت ولا زم نتحرك حالا، البلد وضعها مش مستحمل
حاول حسن إخفاء الزر المقطوع ونظر إلى عينى الرجل مباشرة لأول مرة وقال بهدوء:
- دى طريقة تكلم بيها رئيس الجمهورية؟ انت اسمك ايه؟
انتفض الرجل من مكانه واقفاً وهو يحكم اغلاق زر الجاكت الأسود الأنيق بيد واحدة، مش قصدى يافندم .. قاطعه حسن بإشارة من يده ومازالت الأخرى تخفى الزر المفقود، توقف الرجل عن الحديث فورا، وبصمت أشار إليه حسن بالجلوس، جلس الرجل، وتوجه حسن إلى غرفة نومه بخطوات بطيئة، شارداً، وهو يقول بنبرة واثقة و كأنه يحدث نفسه بصوت يسمعه الرجل: هغير هدومى !
دخلت زوجته غرفة النوم وهى تقول بانزعاج: الأستاذ عماد جارنا تعبان جداً، والإسعاف تحت هتاخده المستشفى، أنا طالعة لهم، مهما كان الجيران لبعضهم.
سحب حسن الغطاء مرة أخرى فوق وجهه ثم تحسس زر الجاكت المقطوع، ورد عليها بضيق وهو يستدير فى سريره:
انتى مش شايفانى نايم؟ اطلعى ..
2 تعليقات:
افتكاسه حلوة
عيشتني في جو تاني
وفقك الله
محمد فتحى
نورت المدونة ياعزيزى
شكرا لتعليقك الرقيق
دمت بخير
إرسال تعليق